حساسية الأسنان: الأسباب، الأنواع، العلاج والوقاية

تُعدّ حساسية الأسنان من المشكلات الصحية الشائعة التي تصيب عدداً كبيراً من الأفراد في مختلف الأعمار، مسببة ألماً وانزعاجاً واضحاً عند تناول الأطعمة أو المشروبات الساخنة، الباردة، الحلوة أو الحامضة. هذه الحالة قد تؤثر على جودة حياة المصاب وتحدّ من قدرته على الاستمتاع بالطعام أو الحفاظ على روتينه الصحي اليومي. وعلى الرغم من شيوع هذه المشكلة، فإنّ الكثيرين لا يدركون جذورها الفسيولوجية أو طرق علاجها الفعالة والحديثة.

تتميز حساسية الأسنان بأنها استجابة غير طبيعية للأعصاب الموجودة داخل الأسنان عند تعرضها لمحفزات خارجية، وغالباً ما تكون هذه المحفزات حرارية أو كيميائية أو ميكانيكية، وتظهر الأعراض على شكل ألم حاد مفاجئ وعابر. يتناول هذا المقال الجوانب الشاملة لحساسية الأسنان من منظور علمي دقيق وموسع، بدءاً من الأسباب ووصولاً إلى الأساليب الوقائية والعلاجية الحديثة، مع تقديم تفاصيل فنية وطبية تساهم في فهم أعمق للحالة.

أولاً: ما هي حساسية الأسنان من الناحية الطبية؟

تعرف حساسية الأسنان بأنها ألم قصير الأمد ناتج عن انكشاف عاج السن (dentin)، وهو الجزء الداخلي من السن الواقع تحت المينا (enamel) ويحتوي على قنوات دقيقة متصلة بالعصب السني. عندما تنكشف هذه القنوات، تصبح الأعصاب الموجودة في اللب السني أكثر عرضة للمحفزات الخارجية.

تحدث هذه الاستجابة نتيجة لتعرض طبقة العاج لمؤثرات مثل الهواء البارد أو الطعام الساخن أو المشروبات الحمضية، مما يؤدي إلى تحفيز نهايات الأعصاب داخل السن وإرسال إشارات الألم إلى الدماغ.

ثانياً: البنية التشريحية للأسنان ودورها في تطور الحساسية

لفهم أسباب الحساسية لا بد من الإلمام بالبنية التشريحية للأسنان:

• المينا (Enamel): الطبقة الخارجية الصلبة التي تحمي التاج (الجزء الظاهر من السن).

• العاج (Dentin): الطبقة التي تقع تحت المينا، وهي أقل صلابة وتحتوي على آلاف القنوات الدقيقة (tubules).

• اللب السني (Pulp): الجزء الداخلي من السن ويحتوي على الأعصاب والأوعية الدموية.

عندما تتآكل المينا أو تنحسر اللثة، ينكشف العاج وتصبح القنوات فيه مكشوفة للمؤثرات، مما يفسر الألم الحاد والسريع الذي يشعر به المريض.

ثالثاً: الأسباب الرئيسية لحساسية الأسنان

يمكن تقسيم أسباب حساسية الأسنان إلى ما يلي:

1. تآكل المينا السنية

• الإفراط في تنظيف الأسنان باستخدام فرشاة صلبة أو معجون مفرط الكشط.

• الاستخدام المفرط للمواد الكاشطة أو التبييض المنزلي دون إشراف طبي.

• العادات الفموية مثل صرير الأسنان (Bruxism).

2. انحسار اللثة

• أمراض اللثة المزمنة مثل التهاب اللثة أو التهاب دواعم السن تؤدي إلى تراجع خط اللثة وانكشاف جذور الأسنان.

• التنظيف العنيف أو العادات غير السليمة في العناية بالأسنان.

3. التسوس وكسور الأسنان

• التسوس غير المعالج الذي يصل إلى طبقة العاج.

• تشققات أو كسور في بنية السن تسمح بدخول المحفزات إلى العاج.

4. الإجراءات السنية الحديثة

• بعد جلسات التبييض، الحشو، أو تركيب التلبيسات، قد يعاني البعض من حساسية مؤقتة نتيجة تهيج العصب.

5. العوامل الكيميائية

• تناول الأطعمة أو المشروبات الحمضية مثل العصائر الحمضية والمشروبات الغازية يؤثر على المينا.

رابعاً: الأعراض السريرية لحساسية الأسنان

• ألم مفاجئ وحاد عند ملامسة الأسنان لمحفز خارجي (هواء، ماء بارد، طعام ساخن).

• يستمر الألم لبضع ثوان ثم يزول عند زوال المحفز.

• غالباً ما يصيب الألم أكثر من سن واحدة.

• يكون الألم شديداً عند الحالات المتقدمة ويؤثر على نوعية حياة المريض.

خامساً: أنواع حساسية الأسنان

يمكن تصنيف حساسية الأسنان إلى نوعين رئيسيين:

سادساً: التشخيص الطبي لحساسية الأسنان

يعتمد تشخيص الحساسية السنية على الخطوات التالية:

1. الفحص السريري: يراقب الطبيب وجود أي تآكل في المينا، انحسار لثوي، أو علامات تسوس.

2. الاختبارات الحرارية والميكانيكية: تطبيق محفزات باردة أو دافئة على الأسنان لتقييم شدة الاستجابة.

3. التصوير الشعاعي (الأشعة): لاستبعاد وجود تسوس عميق أو مشاكل في جذور الأسنان.

يجب التمييز بدقة بين حساسية الأسنان وآلام الأسنان الناتجة عن التهاب اللب السني أو أمراض دواعم السن، لأن طريقة العلاج تختلف بشكل جذري بين الحالتين.

سابعاً: الأساليب العلاجية لحساسية الأسنان

1. العلاج المنزلي

استخدام معاجين الأسنان الخاصة بالحساسية:

تحتوي هذه المعاجين على مركبات فعالة مثل:

• نترات البوتاسيوم (Potassium Nitrate): تهدئ العصب السني وتقلل الإحساس.

• فلوريد الصوديوم: يعزز إعادة تمعدن المينا.

• سترونتيوم كلورايد: يسد القنوات داخل العاج.

2. العلاج في العيادة

• تطبيق مواد حامية: مثل الفلوريد أو الراتنجات السادة لقنوات العاج.

• الليزر: يستخدم لتقليل حساسية العصب أو إغلاق القنوات المكشوفة.

• الحشوات التجميلية: لسد مناطق التآكل أو انكشاف الجذور.

• الترقيع اللثوي (Gum Grafting): في حالات انحسار اللثة الشديد.

3. العلاجات المتقدمة

في الحالات المستعصية، قد يلجأ الطبيب إلى:

• علاج الجذور (Root Canal Therapy): عند فشل جميع الطرق الأخرى واستمرار الألم بسبب تلف العصب.

ثامناً: الوقاية من حساسية الأسنان

تُعد الوقاية الركيزة الأساسية لتجنب حساسية الأسنان، وتتضمن ما يلي:

عادات النظافة الفموية الصحيحة:

• استخدام فرشاة ناعمة مع حركات دائرية لطيفة.

• تجنب التنظيف العنيف أو الاستخدام المفرط لمعجون كاشط.

• تنظيف الأسنان مرتين يومياً باستخدام معجون يحتوي على الفلورايد.

العادات الغذائية السليمة:

• الحد من تناول الأطعمة والمشروبات الحمضية.

• شرب الماء بعد استهلاك أي مادة حمضية لتقليل تأثيرها.

• مضغ العلكة الخالية من السكر لتحفيز إنتاج اللعاب وتعديل حموضة الفم.

المراجعات الدورية لطبيب الأسنان:

• زيارات منتظمة للكشف المبكر عن أي تآكل أو مشاكل لثوية.

• تنظيف احترافي للأسنان وإزالة الجير بشكل دوري.

تاسعاً: العلاقة بين حساسية الأسنان والأمراض الجهازية

في بعض الأحيان، قد تكون حساسية الأسنان عرضاً من أعراض حالات صحية أوسع، مثل:

• الارتجاع المعدي المريئي: إذ يؤدي إلى تعرض الأسنان للأحماض المعدية.

• اضطرابات الأكل (مثل الشره المرضي): تتسبب في تآكل المينا بسبب القيء المتكرر.

• جفاف الفم (Xerostomia): يؤدي إلى نقص اللعاب، مما يجعل الأسنان عرضة للتآكل.

وبالتالي، فإن علاج الأسباب الجهازية قد يلعب دوراً حاسماً في السيطرة على حساسية الأسنان.

عاشراً: أحدث التقنيات والبحوث في علاج حساسية الأسنان

شهد مجال طب الأسنان تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة في ما يتعلق بعلاج حساسية الأسنان. من بين الابتكارات:

• النانوتكنولوجيا: استخدام جسيمات النانو لسد القنوات العاجية بفعالية.

• المواد الحيوية المستحثة لإعادة التمعدن: تساعد على ترميم المينا المتآكلة.

• تقنية PRF (البلازما الغنية بالصفائح): لتحفيز شفاء الأنسجة اللثوية.

• الليزر منخفض الطاقة: لتقليل الاستجابة العصبية في الأسنان الحساسة.

جدول يوضح الفرق بين ألم الحساسية وألم تسوس الأسنان

خاتمة

حساسية الأسنان ليست مجرد إزعاج عابر، بل قد تكون علامة على مشكلات أعمق في صحة الفم والأسنان. يتطلب التعامل معها فهماً دقيقاً للبنية السنية، وأسباب الانكشاف العاجي، والعوامل البيئية والسلوكية المؤثرة. من خلال الوقاية المبكرة والعلاج السليم بإشراف طبيب مختص، يمكن للغالبية العظمى من المصابين تقليل الأعراض والعودة إلى نمط حياتهم الطبيعي دون ألم أو انزعاج.

المراجع العلمية:

1. Cummins, D. (2010). “Dentin hypersensitivity: from diagnosis to a breakthrough therapy for everyday sensitivity relief.” Journal of Clinical Dentistry, 21(2), 1–9.

2. Canadian Advisory Board on Dentin Hypersensitivity. (2003). “Consensus-based recommendations for the diagnosis and management of dentin hypersensitivity.” Journal of the Canadian Dental Association, 69(4), 221–226.